خيارنا الثوري


خارطة طريق شبكة مدى الشبابية لمواجهة المرحلة الراهنة

بيان مفتوح للتوقيع يتناول صراع المحاور وطرح "الحياد" والتدويل ومسؤولية الإنهيار


توصيف المشهد السياسي

بعد مجزرة مرفأ بيروت في 4 آب 2020، استمرت السلطة في سياسة القمع والعسكرة من جهة، والإفلات من العقاب والتهرّب من المسؤوليّة والتهديد من جهة أخرى. فبعد ظهور وثائق عديدة تشير إلى إجرام ومسؤولية السلطات التنفيذية والأمنية في البلاد، بالإضافة الى شبهات ضلوع شبكات مقرّبة من النظام السوري في استحضار نيترات الأمونيوم إلى لبنان لغايات عسكريّة، تدّخلت السلطة السياسية لمنع القضاء من الاستمرار في كشف الحقيقة وتحقيق العدالة لذوي الضحايا. وبعد ترويض القضاء، وجّه حزب الله رسائل عديدة بغية تخويف وردع كل من يتجرّأ على كشف الحقائق المحرجة والفاضحة.

وفي هذا السياق، اشتدّت قبضة الاجهزة الامنية والعسكرية والميليشيات، في قمع المتظاهرين والناشطين، وانتهاك حقوقهم وتلفيق التهم ضدهم، لاسيّما خلال أحداث طرابلس الداميّة التي أودت بحياة شهيدين.

بالإضافة إلى ذلك، عادت الاغتيالات التي تستهدف المعارضين لحزب الله ومشروعه السلطوي جاءت لتذكرنا بأن خيار القتل والتصفيات الجسدّية ما زال متاحاً.

وترافقت سياسة العسكرة وكم الأفواه مع تسارع وتيرة الانهيار والتدهور الاقتصادي الخطير، التي تدفع ثمنه الطبقات الأكثر فقراً بسبب السياسات التقشفية.

هذا فضلاً عن الاستمرار في تهريب الأموال إلى الخارج وتعويم المصارف لسعر صرف الدولار في السوق السوداء واستمرار المهرّبين بتصدير السلع والمواد المدعومة، بحماية سائر أركان النظام الذين يشكلون مظلّة آمنة لأصحاب المصارف والريع.

وفي ظلّ هذه الكارثة الاجتماعية والسياسية، تستمر سلطة 4 آب بجشعها وتحاصصها على المراكز والمواقع، والمماطلة في تشكيل الحكومة، مما يحول دون حصول البلد على مساعدات ضروريّة لوقف النزيف المستمرّ.

كما تستمرّ باستهتارها بحياة الناس، عبر إداراتها الكارثيّة والاعتباطيّة لجائحة كورونا، والتباهي بإنجازات وهميّة، وصولاً إلى فرض منطق التحاصص والمحسوبيّات على توزيع اللقاحات.

في سياق هذا المشهد، تقف المعارضة عاجزة عن كسب المعارك الحقوقية والاقتصادية، مما يعزز انفصال مجموعات المعارضة عن الواقع الاجتماعي والشعبي. كما تعجز بعض المجموعات عن بلورة طرح واضح لمواجهة التحديات الراهنة ولاسيّما دور حزب الله الداخلي والإقليمي، والذي نصّب نفسه الحامي الأول للنظام والسدّ المنيع في وجه النهج الثوري.

في ظل تخبّط المعارضة، أغتنمت بكركي الفرصة لتقدّم مبادرة سياسيّة لمواجهة الأزمة. وحظيت المبادرة بدعم من أحزاب تقليديّة بغية اعادة شد عصب قواعدها واستقطاب مَن ابتعدَ، الى جانب بعض جمهور الانتفاضة بحجّة غياب البديل.

من موقعنا كمجموعة معارضة تلتزم بالمسار الثوري الذي انطلق في 17 تشرين 2019 ننظر الى هذا الحدث بجديّة ومسؤولية بعيداً عن التمييع أو الشيطنة، مما يدفعنا إلى تقديم مقاربتنا لهذا الطرح.


عن مبادرة بكركي وردود فعل مجموعات المعارضة

بمعزل عن شكل المبادرة الذي طغى عليه طابع طائفي تقليدي حيث اتى من صرح ديني بارز، نودّ أن نتناول مضمون طرح البطريرك. ارتكزت مقاربة البطريرك على مشكلة حزب الله وسلاحه ودوره الإقليمي، فيما نرى أن دور حزب الله لا يقتصر فقط على الترهيب بفائض قوّة سلاحه بل يقوم أيضا بحماية النظام السياسي والاقتصادي الذي أوصلنا إلى ما نحن عليه اليوم. كما أن البطريرك شارك في حماية رموز هذا النظام والفساد.

أما فيما يتعلق بطرح الحياد، نرى أن عدم الالتحاق بمحاور اقليميّة ودوليّة هو نتيجة لعقد اجتماعي جديد يسقط الطائفية السياسية، وليس حلّاً بحد ذاته لمشاكل لبنان في ظل الابقاء على البنية الطائفيّة للنظام. فتدخل القوى الإقليمية والدوليّة في شؤون بلادنا هو نتيجة لرهانات كافّة قوى النظام الطائفي على مرّ التاريخ، الذين يستمدّون قوّتهم من تلك التحالفات.

كما أننا نتمسّك باحترام حق الشعوب في تقرير مصيرها وعدم زج لبنان في صراعات عسكريّة خارج الحدود وعدم الاصطفاف في معسكرات وأقطاب إقليمية ودوليّة، لطالما شكلّت ركناً اساسياً في تقوية أركان النظام الطائفي في لبنان. ونرى أن من واجبنا كأفراد ومجموعات سياسية مناصرة ودعم شعوب المنطقة سياسياً وثقافياً في نضالها من أجل الحرية والديمقراطية ومحاربة الاحتلال. لا حياد بين جزار وضحيّة، وبين ديكتاتور أو سلطة احتلال وشعب مقاوم.

وبشأن طرح المؤتمر الدولي، إذ نؤكد تمسّكنا بالمواثيق والآليات الدوليّة التي تحمي حقوق شعبنا وحريته وحقّه في تقرير مصيره، نرى أن الأزمات كما التسويات التي أتت من الخارج لم تبنِ وطناً حرّاً مستقلاً ولا عقداً اجتماعيا متيناً.أما بالنسبة للتهويل بموضوع التوطين، فأننا نرى أن هذا الخطاب لا يقدم رؤيةً اجتماعيّة لمجتمع عادل يتمتع فيه اللاجئون السوريون والفلسطينيون بحقوقهم وكرامتهم.

أخيراً، فإن أي مبادرة تدّعي الإصلاح ولا تطالب بإسقاط النظام الطائفي واستبداله بنظام علماني ديمقراطي يؤمّن العدالة الاجتماعية لجميع فئات المجتمع هي مبادرة منفصلة عن واقع البنية التاريخية للنظام الذي يخلق زعامات طائفية مرتبطة غالباً ما ارتبطت بالخارج.

لاحظنا عدّة توجهات حول التعاطي مع إعلان بكركي من قبل مجموعات المعارضة. ظهرت ازدواجية المعايير حول التدويل لدى المتعاطفين والمتسامحين مع محور حزب الله، أي مع ميليشيا طائفية ودينية مرتبطة بمحور إقليمي، فيما حاول البعض استيعاب اللحظة السياسية التي شكلها اعلان بكركي، متجاهلاً الطابع الطائفي للمبادرة وإشكاليات الطرح، وحماية البطريرك لرموز النظام. وأخيراً تمسّك آخرون بخطاب فضفاض وشعبوي، لا يأخذ بعين الاعتبار التطورات الأمنية والسياسية في هذه المرحلة التي تسود فيها هيمنة حزب الله على البلاد.


دروس من التاريخ

في ضوء الانقسام الذي نشهده على صعيد السلطة والمعارضة، نرى في التاريخ لمحةً من التجارب حول تحالفات قامت بين قوى تقدمية وأخرى تقليديّة ورجعيّة.

حتّمت الظروف التاريخيّة تحالف القوى العلمانية واليساريّة والتقدميّة مع قوى مذهبيّة بعضها معارض والبعض الآخر منبثق من النظام، ولاسيّما عشيّة تحرير الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي وانتفاضة الاستقلال التي أخرجت الاحتلال السوري من لبنان.

وبعد العام 2005 انقسمت القوى التقدميّة بين قطبي "السيادة" و"المقاومة"، ولم تستطع فرض مشروعها الجذري في تغيير النظام. حصرت قوى السلطة الاوليّات في خانتي "السيادة" و"المقاومة" على حساب مشروع تغييري بنيوي للنظام على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والأمني. ادّى ذلك إلى إضعاف الأحزاب والمجموعات اليساريّة والعلمانيّة وشلّ دورها في الحياة السياسيّة. كما برهنت الأحزاب الطائفية انها مستعدة في أي وقت للمساومة على مبادئ "السيادة والمقاومة" لصالح تسويات محليّة أو اقليميّة، تلبّي حاجاتها وحاجات رعاتها الإقليميين والدوليين. فمن التحالف الرباعي، إلى تحالف مار مخايل، ومن زيارة سعد الحريري إلى دمشق، الى التسوية الرئاسيّة، سقط وهم المعارك الكبرى والمبادئ السامية، وثبت منطق المحاصصة. وبعد التسوية الرئاسية أمّن كافة أطراف النظام الغطاء السياسي لحزب الله، فيما تولّى حزب الله مهمّة حماية النظام، كما تبيّن بوضوح منذ ١٧ تشرين.

وفي السياق نفسه، بقيت السلطة الدينية رهانًا خاسراً لإحداث التغيير. والمثال على ذلك هو تدخّل المفتي لمواجهة الطرح العلماني للحركة الوطنية في الـ1975 وتدخّل البطريرك لمنع سقوط اميل لحود في الـ2005 و ميشال عون ورياض سلامة في الـ 2019, الى الخطوط الحمر التي ترسمها المرجعيات الدينيّة كل يوم لحماية الرؤساء والوزراء.

من أجل الخروج من منطق الاصطفاف والمعارك التي تهمّش الانخراط في مشروع يهدف إلى التغيير الجذري في لبنان، حسم جيل ما بعد الحرب خياراته: نرفض النظام بكلّ مكوناته، نرفض اقتصاد الريع والاستغلال والاحتكار، نرفض البنية الابوية والعنصرية، ونرفض القمع والقتل المتوحش، نرفض ميليشيات الموت والاغتيال، نرفض السلطات الدينية، نرفض الحروب والاعتداءات الخارجيّة. فالتغيير الجذري لا يتجزأ، وكل قضايانا أولوية.


خارطة سياسية بديلة

في هذه المرحلة بالذات، نرى حاجة ملحّة لتكوين خارطة سياسية شاملة، تطرح معالجة عادلة للانهيار الاقتصادي ومواجهة صارمة ضد مؤسسات الاحتكار والريع الموروثة من الحريرية السياسية، وضد النهب المستمرّ و الاستيلاء على موارد الدولة، وتطرح بناء قوة معارضة في وجه حزب الله ومشروعه الإقليمي والسلطوي وكسره للإرادة الشعبية في لبنان والمنطقة عبر القمع والتهديد والاغتيال.

انّ الاحزاب الطائفية هي الخصم المفضّل لحزب الله، إذ أن معارضتها له هي من منطلقات طائفية أو حسابات ديمغرافية واقليميّة. فهي مستعدة للتسوية معه، كما حصل في انتخاب ميشال عون، والمشاركة في حكومات معه، والتحالف وإياه تحت الطاولة في الانتخابات النقابية والجامعية ضد المعارضين.

القوى العلمانية التي تمّ تصفيتها على يد حزب الله وحلفائه على مرّ التاريخ هي المعارضة الفعّالة ضد مشروعه، لأن معارضتنا للحزب هي من منطلقات وطنيّة، وطبقيّة وقيميّة ومبدئيّة، دون ازدواجيّة معايير، ومع مشروع تقدّمي ديمقراطي.

أمّا اقليميّاً، فنحن ملتزمون كأفراد ومجموعات بالمسار الديمقراطي الثوري الذي بدأ منذ عشر سنوات في سوريا واليمن وتونس ومصر والبحرين وليبيا. نرفض صفقة القرن ومحور الممانعة في الوقت نفسه، ليس من منطلق مبدئي فحسب، بل انطلاقاً من قناعة سياسيّة واستراتيجيّة. فإسرائيل وأنظمة الخليج ودول محور الممانعة تشكل نماذج من الديكتاتورية والشمولية والعنصريّة التي لا تتعايش مع طموحاتنا في بناء دولة ديمقراطية وعلمانيّة.

وعليه، نعتبر أن التضامن بين الشعوب ضد الاحتلال والديكتاتوريّة والتدخلات الخارجية هو الضمانة لبناء قوى كفيلة باستعادة حقّنا كشعوب في تقرير المصير.

وأخيراً وليس آخراً، انّ بناء مشروع عقد اجتماعي جديد متمحور حول العلمانية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتضامن يتطلّب اعادة تنظيم المجتمع على أسس اجتماعيّة واقتصاديّة مختلفة، تتمحور حول الحقوق والمصالح الماديّة، لا الهويّات الموروثة والانتماءات الأولية.

يبقى التنظيم القاعدي، في مدارسنا وجامعاتنا ونقاباتنا ومناطقنا الأداة الفعالة لمقاومة هذه السلطة المجرمة حتّى اسقاطها والوصول الى مجتمع عادل مبني على أسس اقتصادية واجتماعية وسياسيّة محورها الإنسان.

شبكة مدى الشبابيّة

Previous
Previous

11 سنة على اندلاع الثورة بوجه الاستبداد

Next
Next

اللاجئون السوريون في لبنان ضحايا أنظمة الإستبداد والعنصرية